سورة الدخان - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الدخان)


        


{أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)}
{أَمْرًا مّنْ عِنْدِنَا} نصب على الاختصاص وتنكيره للتفخيم، والجار والمجرور في موضع الصفة له وتعلقه بيفرق بيس بشيء، والمراد بالعندية أنه على وفق الحكمة والتدبير أي أعني بهذا الأمر أمرًا فخيمًا حاصلًا على مقتضى حكمتنا وتدبيرنا وهو بيان لزيادة فخامته ومدحه، وجوز كونه حالًا من ضمير {أمر} [الدخان: 4] السابق المستتر في حكيم الواقع صفة له أو من {أَمْرٍ} نفسه، وصح مجىء الحال منه مع أنه نكرة لتخصصه بالوصف على أن عموم النكرة المضاف إليها كل مسوغ للحالية من غير احتياج الوصف، وقول السمين: إن فيه القول بالحال من المضاف إليه في غير المواضع المذكورة في النحو صادر عن نظر ضعيف لأنه كالجزء في جواز الاستغناء عنه بأن يقال: يفرق أمر حكيم على إرادة عموم النكرة في الإثبات كما في قوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] وقيل: حال من {كُلٌّ} وأيًا ما كان فهو مغاير لذي الحال لوصفه بقوله تعالى: {مّنْ عِنْدِنَا} فيصح وقوعه حالًا من غير لغوية فيه.
وكونها مؤكدة غير متأت مع الوصفية كما لا يخفى على ذي الذهن السليم، وهو على هذه الأوجه واحد الأمور وجوز أن يراد به الأمر الذي هو ضد النهي على أنه واحد الأوامر فحينئذٍ يكون منصوبًا على المصدرية لفعل مضمر من لفظه أي أمرنا أمرًا من عندنا، والجملة بيان لقوله سبحانه: {يُفْرَقُ} [الدخان: 4] الخ، وقيل: إما أن يكون نصبًا على المصدرية ليفرق لأن كتب الله تعالى للشيء إيجابه وكذلك أمره عز وجل به كأنه قيل: يؤمر بكل شأن مطلوب على وجه الحكمة أمرًا فالأمر وضع موضع الفرقان المستعمل عنى الأمر، وإما أن يكون على الحالية من فاعل {أَنزَلْنَا} [الدخان: 3] أو مفعوله أي إنا أنزلناه آمرين أمرًا أو حال كون الكتاب أمرًا يجب أن يفعل؛ وفي جعل الكتاب نفس الأمر لاشتماله عليه أيضًا تجوز فيه فخامة، وتعقب ذلك في الكشف فقال: فيه ضعف للفصل بالجملتين بين الحال وصاحبها على الثاني ولعدم اختصاص الأوامر الصادرة منه تعالى بتلك الليلة على الأول.
ووجهه أن تخص بالقرآن ولا يجعل قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ} علة للإنزال في الليلة بل هو تفصيل لما أجمل في قوله سبحانه: {إِنَّا أنزلناه فِى لَيْلَةٍ مباركة} [الدخان: 3] على معنى فيها أنزل الكتاب المبين الذي هو المشتمل على كل مأمور به حكيم كأنه جعل الكتاب كله أمرًا أو ما أمر به كل المأمورات وفيه مبالغة حسنة، ولا يخفى أن في فهمه من الآية تكلفًا.
وقال الخفاجي في أمر الفصل: إنه لا يضر ذلك الفاصل على الاعتراض وكذا على التعليل لأنه غير أجنبي.
وجوز بعضهم على تقدير أن يراد بالأمر ضد النهي كونه مفعولًا له والعامل فيه {يُفْرَقُ} أو {أَنزَلْنَا} أو {مُّنذِرِينَ}.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {أَمْرٍ} بالرفع وهي تنصر كون انتصابه في قراءة الجمهور على الاختصاص لأن الرفع عليه فيها.


{رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)}
وقوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} تعليل ليفرق أو لقوله تعالى: {أَمْرًا مّنْ عِنْدِنَا} ورحمة مفعول به لمرسلين وتنوينها للتفخيم، والجار والمجرور في موضع الصفة لها، وإيقاع الإرسال عليها هنا كإيقاعه عليها في قوله سبحانه: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} [فاطر: 2] والمعنى على ما في الكشاف يفصل في هذه الليلة كل أمر لأن من عادتنا أن نرسل رحمتنا وفصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها من باب الرحمة أي أن المقصود الأصلي بالذات من ذلك الرحمة أو تصدر الأوامر من عندنا لأن من عادتنا ذلك والأوامر الصادرة من جهته تعالى من باب الرحمة أيضًا لأن الغاية لتكليف العباد تعريضهم للمنافع، وفيه كما قيل إشارة إلى أن جعله تعليلًا لقوله سبحانه: أمرًا من عندنا إنما هو على تقدير أن يراد بالأمر مقابل النهي وهو يجري على تقديري المصدرية والحالية.
وفي الكشف أن قوله: يفصل إلخ أو تصدر الأوامر إلخ تبيين لمعنى التعليل على التفسيرين في {يُفْرَقُ} [الدخان: 4] لأنه أما عنى الفصل على الحقيقة من قسمة الأرزاق وغيرها أو عنى يؤمر والشأن المطلوب يكون مأمورًا به لا محالة فحاصله يرجع إلى قوله: أو تصدر الأوامر من عندنا لا لوجهي التعليل من تعلقه بيفرق أو بأمرًا فإن تعلقه بأمرًا إنما يصح إذا نصب على الاختصاص وإذ ذاك ليس الأمر ما يقابل النهي لأن الأمر إذا كان المقابل فهو إما مصدر وإنما يعلل فعله وإما حال مؤكدة فيكون راجعًا إلى تعليل الإنزال المخصوص وليس المقصود وإنما لم يذكر المعنى على تقدير تعلقه بأمرًا لأن المعنى الأول يصلح تفسيرًا له أيضًا انتهى.
والظاهر كون ذلك تبيينًا لوجهي التعليل، وما ذكر في نفيه لا يخلو عن بحث كما يعرف بالتأمل، واعتبار العادة في بيان المعنى جاء من كنا فإنه يقال: كان يفعل كذا لما تكرر وقوعه وصار عادة كما صرحوا به في الكتب الحديثية وغيرها ولإفادة ذلك عدل عن أنا مرسلون الأخصر وقوله سبحانه: {مِن رَبّكَ} وضع فيه الظاهر موضع الضمير والأصل منا فجىء بلفظ الرب مضافًا إلى ضميره صلى الله عليه وسلم على وجه تخصيص الخطاب به صلى الله عليه وسلم تشريفًا له عليه الصلاة والسلام ودلالة على أن كونه سبحانه ربك وأنت مبعوث رحمة للعالمين مما يقتضي أن يرسل الرحمة.
وقال الطيبي: خص الخطاب برسوله عليه الصلاة والسلام والمراد العموم، والأصل من ربكم وجىء بلفظ الرب ليؤذن بأن المربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين وليكون تمهيده يبتني عليه التعليل الآتي المتضمن للتعريض بواسطة الحصر بأن آلهتهم لا تسمع ولا تبصر ولا تغني شيئًا وتعقب بأنه لو أريد العموم لفاتت النكتة المذكورة ولزم أن يدخل المؤمنون في قوله تعالى: {إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} [الدخان: 7] وما بعده وليس المعنى عليه وفي القلب منه شيء وفسر بعضهم الرحمة المرسلة بنبينا صلى الله عليه وسلم ولا يخفى أن صحة التعليل تأبى ذلك.
وجوز أن يكون قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} بدلًا من قوله سبحانه: {إنا كنا منذرين} [الدخان: 3] الواقع تعليلًا لإنزال الكتاب بدل كل أو اشتمال باعتبار الإرسال والإنذار، ويكون {رَحْمَةً} حينئذٍ مفعولًا له أي أنزلنا القرآن لأن عادتنا إرسال الرسل والكتب إلى العباد لأجل الرحمة عليهم واختيار كون الرحمة مفعولًا له ليتطابق البدل والمبدل منه إذ معنى المبدل منه فاعلين الإنذار ويطابقه فاعلين الإرسال ولم يجوز كونها كذلك على وجه التعليل بل أوجب كونها مفعولًا به ليصح إذ لو قيل: فيها تفصيل كل شأن حكيم لأنا فاعلون الإرسال لأجل الرحمة لم يفد أن الفصل رحمة ولا أنه سبحانه مرسل فلا يستقيم التعليل قيل وينصر نصب رحمة على المفعول قراءة الحسن وزيد بن علي برفعها لأن الكلام عليه جملة مستأنفة أي هي {رَحْمَةً} تعليلًا للإرسال فيلائم القول بأنها في قراءة النصب مفعول له وليطابق قراءتهما في كون معنى {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} إنا كنا فاعلين الإرسال، وقال بعض أجلة المحققين: أن القول بأنه تعليل أظهر من القول بأنه بدل ليكون الكلام على نسق في التعليل غب التعليل، ولما ذكر في الحالة المقتضية للإبدال ولوقوع الفصل، وأشار على ما قيل بما ذكر في الحالة المقتضية للإبدال بأن المبدل منه غير مقصود وأنه في حكم السقوط وههنا ليس كذلك، وتعقب هذا بأنه أغلبي لا مطرد، وقوله: لوقوع الفصل أي بين البدل والمبدل منه بأن الفاصل غير أجنبي فلا يضر الفصل به فتدبر، وجوز كون رحمة مصدرًا لرحمنا مقدر وكونها حالًا من ضمير {مُرْسِلِينَ} وكونها بدلًا من {أمْرًا} فلا تغفل {إِنَّهُ هُوَ السميع} لكل مسموع فيسمع أقوال العباد {العليم} لكل معلوم فيعلم أحوالهم، وتوسيط الضمير مع تعريف الطرفين لإفادة الحصر، والجملة تحقيق لربوبيته عز وجل وأنها لا تحق إلا لمن هذه نعوته، وفي تخصيص {السميع العليم} على ما قال الطيبي إدماج لوعيد الكفار ووعد المؤمنين الذين تلقوا الرحمة بأنواع الشكر.


{رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7)}
{رَّبُّ السماوات والارض وَمَا بَيْنَهُمَا} بدل من {رَبَّكَ} [الدخان: 6] أو بيان أو نعت.
وقرأ غير واحد من السبعة والأعرج. وابن أبي إسحاق. وأبو جعفر. وشيبة بالرفع على أنه خبر آخر لإن أو خبر مبتدأ محذوف أي هو رب، والجملة مستأنفة لإثبات ما قبلها وتعليله {إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ} أي إن كنتم ممن عنده شيء من الإيقان وطرف من العلوم اليقينية على أن الوصف المتعدي منزل منزلة اللازم لعدم القصد إلى ما يتعلق به، وجواب الشرط محذوف أي إن كنتم من أهل الإيقان علمتم كونه سبحانه رب السموات والأرض لأنه من أظهر اليقينيات دليلًا وحينئذٍ يلزمكم القول بما يقتضيه مما ذكر أولًا، ويجوز أن يكون مفعوله مقدرًا أي إن كنتم موقنين في إقراركم إذا سئلتم عمن خلق السموات والأرض فقلتم الله تعالى خلقهن، والجواب أيضًا محذوف أي إن كنتم موقنين في إقراركم بذلك علمتم ما يقتضيه مما تقدم لظهور اقتضائه إياه، وجعل غير واحد الجواب على الوجهين تحقق عندكم ما قلناه، ولم يجوزوا جعله مضمون {رَبّ السموات} إلخ لأنه سبحانه كذلك أيقنوا أم لم يوقنوا فلا معنى لجعله دالًا عليه، وكذا جعله مضمون ما بعد بل هذا مما لا يحسن باعتبار العلم أيضًا.
وفي هذا الشرط تنزيل إيقانهم منزلة عدمه لظهور خلافه عليهم، وهو مراد من قال: إنه من باب تنزيل العالم منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب العلم، قيل: ولا يصح أن يقال: إنهم نزلوا منزلة الشاكين لمكان قوله سبحانه بعد: {بْل هُمْ فَى شَكّ} [الدخان: 9] ولا أرى بأسًا في أن يقال: إنهم نزلوا أولًا كذلك ثم سجل عليهم بالشك لأنهم وإن أقروا بأنه عز وجل رب السموات والأرض لم ينفكوا عن الشك لإلحادهم في صفاته سبحانه وإشراكهم به تعالى شأنه.
وجوز أن يكون {مُّوقِنِينَ} مجازًا عن مريدين الإيقان والجواب محذوف أيضًا أي إن كنتم مريدين الإيقان فاعلموا ذلك، وفيه بعد، وأما جعل {ءانٍ} نافية كما حكاه النيسابوري فليس بشيء كما لا يخفى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8